في منطقة تحارب تحديات عدة، سياسية واقتصادية، وأهمها حرب مستمرة على الحدود، هناك من يبحث عن السلام. ففي إقليم كردستان استطاعت شابتان تبلغان السابعة عشرة من العمر اختراع نظام جديد لكشف المتفجرات قد يقي البلاد، في حال استخدامه، الهجمات الإرهابية.
وبعد مشاركتهما في معارض عالمية، طلبت الشرطة الهولندية، وأكثر من 20شركة، شراء اختراعهما. لكنهما أطلقتا وعداً على نفسيهما أن لا تبيعا الاختراع قبل أن يصل إلى كردستان مجاناً.
فالعراق، كان أكبر ضحية لأجهزة كشف متفجرات وهمية، إذ استوردت وزارة الداخلية عام 2007، في صفقة عقدتها مع رجل أعمال بريطاني يدعى جيمس ماكورمك، 7000 جهاز لكشف المتفجرات من طراز ADE651.
وعام 2013، حكم على ماكورمك في بريطانيا بالسجن 10 أعوام بسبب بيعه أجهزة مزيفة إلى بعض الدول، منها العراق، الذي أنفق 38 مليون دولار على هذه الأجهزة الوهمية، والتي كانت سبباً لخسائر كبيرة في الأرواح ودمار هائل.
كيف بدأت القصة؟
في سبتمبر 2013، حين استهدفت سيارة مفخخة مقراً أمنياً وسط مدينة أربيل، وأودت بحياة 6 عناصر أمن أكراد.
حدث هذا الانفجار أمام مدرسة إيمان وداستان، ما جعل هذا اليوم مفصلياً في حياتهما. تتذكر إيمان أن “الجميع كان متوتراً جداً” وتوضح داستان أن “القصة بدأت هنا. قلنا يجب أن نفعل شيئاً لنوقف هذا، فلنا الحق كبقية المراهقين أن نعيش في سلام، كان لدينا العديد من الأفكار، لكنا قررنا أن نبدأ بهذه الفكرة نظراً لأهميتها”. وبعد العديد من الأبحاث والاستشارات، رأت الشابتان أن ما ينقص كردستان فعلاً هو جهاز يتمكن من التقاط كم كبير من السيارات المفخخة في فترة قصيرة.
وقد لجأتا في هذا الوقت إلى نوزاد هادي، محافظ أربيل، الذي أكد لهما أن متفجرات الـC4 هي الأكثر شيوعاً في العراق، ومن الصعب جداً كشفها. يقوم اختراع إيمان وداستان على فكرة وضع 3 أجهزة مراقبة لكشف المتفجرات، 2 منهما في صناديق القمامة والثالث يكون معلقاً على إشارة مرور ضوئية.
هكذا تتمكن الأجهزة من مراقبة السيارات من 3 زوايا مختلفة دون أن يشعر سائق السيارة أنه مراقب. وعندما تمر سيارة مفخخة من هذه المنطقة تستطيع تلك الأجهزة عبر إشارات الليزر ضبط المتفجرات، وبسبب اتصالها بالكاميرات التلفزيونية المغلقة، ترسل صورة السيارة المفخخة ومكانها إلى الأجهزة الأمنية المختصة.
وبإمكان هذه الأجهزة أن تكشف 64000 سيارة يومياً، هذا العدد يتطلب عاماً كاملاً من الأجهزة الحالية في كردستان لكشفه. وقد حازت الشابتان الميدالية الذهبية عن اختراعهما في مسابقة العلوم في العراق. ونظراً لقدومهما من بيئتين محافظتين، كان من الصعب عليهما أن تشاركا في الكثير من المعارض خارج البلاد. تقول داستان: “لم نتمكن من السفر كثيراً، لأن المجتمع لا يتقبل فكرة سفر الفتاة بمفردها”، مع ذلك نجحت داستان في المشاركة في المعرض العالمي للاستدامة البيئية، الذي يقام في هولندا، بسبب وجود والدتها هناك. عن تجربتها هذه، تقول داستان إنها كانت “أكثر من رائعة، وكان الجمهور متأثراً ويبكي، أما لجنة التحكيم فقالت لنا إنه من المؤكد أن حياتنا صعبة جداً لنفكر في هذا الاختراع، فجميع المتسابقين كانت اختراعاتهم عن الألعاب”.
إذا بدأنا بالتكلم عن الصعوبات المختلفة التي تواجهها هاتان الفتاتان، فلن ننتهي. لا تبالغان حين تشبّهان نفسيهما بالغارق في البحر، الذي يحاول المستحيل لالتقاط أنفاسه الأخيرة. توضح إيمان أنه “من الصعب جداً العمل في كردستان”.
فهما لا تملكان أي معدات أو مختبرات لتنفيذ أفكارهما وتحسينها. إضافة إلى ذلك،
تقول داستان: ” ا عدالة بين الرجل والمرأة هنا. فمن الصعب علينا أن نسافر إلى الخارج أو حتى أن نقيم اجتماعات في المقاهي لأن الجميع يبدأ بانتقادنا”، وتضيف: “يظنون أننا مجنونتان، تخيلي أنك تنظري إلى جهة من الصورة والجميع ينظر إلى الجهة الأخرى”. لكن إيمان تقاطعها: “حتى أهلنا لا يتفهمون الموضوع، وما زالوا يظنون أن ما نفعله مضيعة للوقت، وأجبرونا على أن ندخل في مجال الطب عوضاً عن المجال الذي نحب، وهو الهندسة”.
وتضيف: “أحياناً نقتنع مع أهلنا ونفقد الأمل، لكننا محظوظتان لأن الانسجام يجمعنا، فعندما تشعر الأولى بالإحباط تشجعها الثانية”. وعند سؤالهما هل تعتقدان أن كردستان خذلتهما، قالتا معاً ومن دون تردد: “نندم لأننا جئنا بالاختراع إلى كردستان إذ لم نحصل على أي تشجيع”. وتضيف داستان: “في هذا البلد لا يستثمرون في النساء، ويخافون من الجيل الجديد لأنه قادر على التغيير”.
ولكن ما يعزيهما أن اختراعهما بعث الأمل وألهم العديد من الفتيات في كردستان. تشير إيمان إلى أن “العديد من الفتيات الكرديات اتصلن بنا، وقلن إنهن لم يؤمنّ أن المرأة الكردية عموماً والمحجبة خصوصاً لديها أي فرصة للنجاح. لكننا أعطيناهنّ الأمل. شعور رائع أن تتمكن من إلهام الآخرين”.
وتضيف: “النساء الكرديات لديهن الكثير من الأحلام لكنهن يخفن من التجربة”. بعد إصرارهما على أن لا تبيعا اختراعهما إلى أحد قبل أن يقدم إلى كردستان بالمجان، عمدت شركة صينية إلى سرقة المشروع ونفذته. تقول داستان: “حزنا جداً في البداية، لكن المهم أنهم يحققون هدفنا بالبحث عن السلام”.
هل كان تصرف حكومة إقليم كردستان مغايراً لو كانت إيمان وداستان ذكرين؟ أجابت إيمان ضاحكة: “لو كنا ذكرين لكانوا اتصلوا بنا على الفور”. أما داستان، فتنهدت وقالت: “هم لا يؤمنون بوجود عقل وراء هذا الحجاب”.
يلتوفيق
ردحذف